بقلم / أ. إبراهيم عيسى .. البرادعي في السر و العلن

سألت دكتور محمد البرادعي لماذا لم تعلن عن لقائك مع السفيرة الأمريكية في القاهرة مرجريت سكوبي؟

ثم لماذا لم نسمع عما تحدثت به معها وما قالته لك خلال هذا اللقاء؟

كانت هذه الأسئلة تدور وتلف في مصر كلها فقلت للدكتور البرادعي من باب الشفافية يا دكتور ومشيا وراء حق الناس في معرفة ما يدور معك وحولك لماذا لا تجيب عن هذه الأسئلة؟

قرر الرجل أن يجيب

ليس تفصيلا ولكن تفسيراً، وليس دفعا لدرء شبهة بل تأكيدا لموقف ومنهج !

أجاب دكتور البرادعي عن أسئلتي لكن قبل الإجابة لابد من تسجيل عدة ملاحظات:

الأولي هي تلك الحالة من الريبة والاسترابة في كل معارض أو شخصية وطنية مختلفة مع نظام الرئيس مبارك تسافر إلي أمريكا فتلتقي مسئولين هناك أو غير مسئولين ونفس الشك والتشكيك يبز ويبرز إذا التقي أي من المعارضين بأي من هؤلاء المسئولين أو الشخصيات الأمريكية في القاهرة مقيمين كانوا مثل السفيرة أو زائرين عابرين !

ما سر هذه الريبة المبدئية ؟

كأن المجتمع السياسي المصري يعتقد أن كل معارض هو مشروع عميل متي التقي مسئولا أمريكيا تساقطت مقاومته واستسلمت روحه وسلم نفسه للأمريكان وأجندتهم وأهدافهم !

والحقيقة أن هذا الفهم يروجه أمن الدولة وأمانة السياسات بالحزب الوطني والتي يحمل بعض أعضائها أو أبنائها الجنسية الأمريكية، فمن الغرابة المذهلة أن التحالف والتنسيق الأمني هائل ولا محدود ويومي بين الأجهزة الأمريكية والمؤسسة الأمنية في مصر، بينما يحب الأمن أن يشوه ويشوش كل مصري غير حكومي وغير منافق وليس مخبرا لأمن الدولة بمجرد أن يقابل مسئولا أو شخصية أمريكية!

ثم أمانة السياسات الحليفة والصديقة والمتعاونة والمتعاملة مع الأمريكان أجهزة وجمعيات وأموال معونة ومنحاً وزيارات ولقاءات منفردة بل وكبيرهم نجل كبيرهم يذهب للبيت الأبيض فيزور ويسلم ويتسلم ، هي نفسها التي تلاحق أي معارض مصري يقابل أمريكيا باتهامات وترهات تنشرها في صحفها الناطقة باسمها حكومية أو خاصة!

علي الناحية الأخري فإن جماعة واسعة من المعارضين المصريين تتعامل وكأن اللقاء فعلا بأمريكان والتحاور معهم وإسماعهم صوت المعارضة عمل غير شريف أو مشبوه أو متشابه عليهم وهو فخ أسقط فيه المعارضون الوطنيون أنفسهم ويعبر عن خلخلة في الثقة ورضوخ لأهداف الخصوم وخضوع لتشوهات الأمن والحكومة!.

هذه هي الملاحظة الأولي، أما الثانية فهي هذه الحالة من الهمز واللمز والرغبة في الإيحاء والإيماء أن دكتور محمد البرادعي قادم بأجندة أمريكية إلي مصر وأنه في حالة اتفاق أو توافق مع المؤسسة الأمريكية التي ارتضت به ورضيت عنه بديلا لمبارك أو بالتحديد بديلا عن نجل الرئيس مبارك، وهذه الحالة تجد نفسها منتعشة للغاية لو جلست السفيرة سكوبي إلي جانب البرادعي في زيارة وتحتفي صحف الحكومة بالصورة بطريقة تبدو مثيرة للشفقة بسبب سعادتها العبيطة كأنها حصلت علي الدليل الصارخ الفادح علي التنسيق الأمريكي البرادعي حيث جلسا بجوار بعضهما!.

لاحظ أن الحكومة المصرية التابعة للأمريكان والتي لا ترد لهم طلبا ولا ترفض لهم أمرا هي التي تتهم معارضيها بأنهم يسمعون كلام الأمريكان وكأننا من المفترض أن ننسي أو نتناسي أن الحكومة ومسئوليها هم الذين يحجون كل موسم للبيت الأبيض يلتمسون منه الرضا ويتحصلون منه علي التعليمات وينفذون طائعين خطة حصار غزة وتقزيم الحقوق الفلسطينية وإعلاء العداء لإيران خدمة للخطط الإسرائيلية الأمريكية، الحكومة تتعامل كأن الناس كلها مستعدة للتنازل وللتبعية كما تفعل الحكومة من أجل بقائها واستمرارها علي مقاعدها ومن ثم تخشي أن يقع الأمريكان علي زبون جديد أشطر وأحدث وأكثر نشاطا يجعل البيت الأبيض في غني عن زبونه القديم!

ثم بذمتكم لو فيه خطة أمريكية كبري لإنزال دكتور البرادعي موقع الرئيس المصري فهل هذه الخطة ستنعقد مع السفيرة!!

ليه ...عيلت؟

إنها مجرد سفيرة وموظفة في وزارة لا هي مسئولة كبيرة ولا ذات كلمة مسموعة، إنها موظفة تنفيذية إدارية بينما هذه الاتفاقات إن جرت تتم علي مستوي رؤساء ومديري أجهزة كبري ووزراء سياديين ومؤسسات عالية المستوي والمسئولية، ثم لا تجري في منزل قاهري مرصود وتحت المتابعة الأمنية ولا مع سفيرة تصاحبها شرطة حكومية في كل مشاويرها حيث تعلم الدولة كل متر ستذهب له السفيرة من أجل تأمين الموكب وحراسة القافلة!.

فإذا كان في الأمر مؤامرة استدعت هذه الأفكار الطريفة التي روجها البعض ومنهم أسماء داخل دوائر المعارضة الحكومية (طبعا التعبير في منتهي التناقض.. معارضة.. وحكومية، لكنها عموما مخترعات مصر من الغرائب الفكاهية في عالم السياسة!) فكيف تتم أمام الجميع صفقة خطيرة مثل تلك، لأ وكمان تحت حراسة الجميع!!

يبقي أن تستمع الآن لما قاله دكتور محمد البرادعي لي نصا:

فيما يتعلق بلقاء السفيرة الأمريكية والذي جاء بالتنسيق بيننا، فإني لا أهتم بالرد علي أي من أولئك الذين يتمتعون بمزيج من النفاق والجهل. فكل ما قلته عن حاجة مصر للحرية والعدل الاجتماعي والديمقراطية كمتطلبات أساسية، هو نفسه ما أقوله بشكل معلن وغير معلن سواء في مصر أو خارجها.

فكل ذلك قيم ومبادئ عالمية من حق جميع البشر في كل مكان في العالم، وأنا أعبر عن ذلك الاعتقاد والرأي في كل مكان، سواء بين أصدقائي وعائلتي أو أمام المجتمع والمسئولين.

وعلي أولئك أن يعلموا أيضاً أن من بين واجبات ومهام أي سفير في أي دولة عقد لقاءات مع التيارات السياسية المختلفة في البلد الذي يخدم فيه بهدف فهم تلك التيارات، ومصر ليست استثناء.

وفي معظم أنحاء العالم، يقوم زعماء وقادة المعارضة بعقد لقاءات مع رؤساء الدول وأصحاب المناصب الرفيعة في الحكومات، وهو ما يأتي كنتيجة طبيعية لعالم متصل ببعضه ويعيش حرية التعبير والشفافية بشكل حقيقي من أجل تحقيق الكرامة الإنسانية للجميع.

فالقمع في أي مكان.. هو «قمع».

لعلك أحسست من إجابة دكتور البرادعي بالغموض البناء، هذا المنهج المثير الذي يفضله دكتور البرادعي، حيث لم يسرد تفاصيل لأنه بالفعل لم يسجل الجلسة ولا اهتم بتدوين نصها، ثم هي لم تكن جلسة طويلة كما أنه لم يقل فيها أكثر مما يقوله في كل مرة للجميع كما أكد، وقد سمعت سكوبي منه ما قد سمعته وقرأته في كل حواراته وندواته إذا كانت تتابعها وتتبعه، لكن المؤكد أن السفيرة الأمريكية نفسها من وجهة نظري هي واحدة من أهم دعاة الجمود السياسي في مصر وهي مؤمنة جدا شأن وزارتها كلها بدور مبارك ونظامه في حفظ السلام مع إسرائيل والحفاظ علي أمن الدولة اليهودية، وليس لدي سكوبي ذرة واحدة من الحماس لمشاهدة مصر ديمقراطية تتمتع بتداول السلطة والانتخابات الحرة، بل هي شأن الإدارة الأمريكية كلها- من الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحتي سائق السيدة سكوبي- لا تريد أن تري مصر بلدا ديمقراطياً وشعبها حرا حتي لا يصعد لحكمها رئيس غير موال لأمريكا أو حكومة غير حليفة لإسرائيل، فهذا هو كل هدف وغاية وأمل أمريكا من أي رئيس مصري.

حفظ سلام إسرائيل والحفاظ علي قوتها المطلقة في المنطقة!

وأغلب الظن أن مرجريت سكوبي العجوز الدبلوماسية أوصت في تقريرها المرفوع للخارجية الأمريكية بعد لقائها مع البرادعي بمزيد من الدعم الأمريكي المطلق وغير المسبوق للرئيس مبارك ونجله لأن البرادعي رجل عنيد ومعتز بذاته ولن يكون طيعا أبدا!!

خصوصا أن دكتور محمد البرادعي قال لها بكل ثقة:

إن التغيير قادم لا محالة، إنها مسألة وقت!

فخافت سكوبي فعلا أن يحدث أي تغيير في مصر!